مجتمع

قرقنة: بحّار يروي صراعه مع الرياح والأمواج من أجل إنقاذ قاربه ومورد رزقه

كارثة حلّت بجزيرة قرقنة بسبب قوّة الرياح تسببت في تدمير ما لا يقل عن 80 مركب صيد بحري بمنطقة العطايا من جزيرة قرقنة بولاية صفاقس.

هذه الرياح القوية استطاعت ان تدمّر وتتلف العديد من المصائد القارة ” الشرافي ” وتحول “سقالة” العطايا الى دمار شامل .

المنصف بحّار أب عن جد، في حياته لا يحذق او يجيد الا لعبة الموت وكما يقول الداخل مفقود والبحار يجدد العهود ويعود لركوب الخشب وصراع البحر وهذا منذ نعومة اظافره ولا يملك في حياته إلا هذا القارب الصغير المسمى باسم امه فاطمة، فاطمة الرزق والحب والعطاء والامل والمال والاستمرار والحياة لمنصف وللعائلة .

منصف يحكي وفي صوته حشرجة وترتسم في عيونه ملامح دموع لا تستطيع النزول وهو يسرد قصة صراع بحار دام اكثر من ثلاثة ساعات لينقذ فاطمة قاربه الصغير ومورد رزقه الذي تلاقفته الامواج وحطمته بالكامل ليغرق في ضفاف العطايا ويبكيه منصف .

قال منصف كنت قد دخلت المنزل لأقتات واحمل بين يدي حاجيات المنزل مما طلبته زوجتي لعشاء الليلة وهدايا لاطفالي تحثهم على الدراسة وكانت عينيا تنظر لسماء العطايا التي غابت عنها الزرقة وتحولت الى شبه سواد اشارة للانقلاب الجوي و”النو” الكبير.

قال المنصف: كنت مدركا ان شيء سيحل بالمنطقة …. الريح شرقية وسرعتها في تصاعد وهيجان … هدير أمواج البحر يصل الى مسمعي برغم بعده عن المنزل .

ملامح “النو” كانت واضحة وسرعة الرياح والبرد كانت تقرؤنا السلام وتكشر عن انيابها تهدينا انقلابا جويا ينقلب فيه البحر ويتحرك محرك الامواج ويضرب قواربنا .

دخلت البيت وانتصبت اتابع اخبار اليوم وانتقل عبر القنوات ابحث عن شيء يخفف من قلقلي لأنتصر الى تكذيب نفسي وابعد هذا ” الوكس” الذي يسكن داخلي وكانت وحشتي لفاطمة امي تحضر بقوة في داخلي تحاكيني وتسرد قصص الطفولة في خاطري وذكراها صار معي في بيتي ولا ادري برغم طول مدة رحيلها ولا زالت ذكراها في خاطري وهي توصي برعاية فاطمة قاربي ورزقي .

قلبي كان يخبرني بمكروه ولكني كنت اطرد الشر بالضحك واللعب مع اطفالي وأساعد زوجتي على اعداد الطاولة وترتيب العشاء .

بدأ الريح ينفخ … الصوت عنيف…. ادركت ان “النو” جاء و تحرك وان الامواج تضرب في داخلي وان قاربي يناديني ورزقي يصيح ليرتطم باب المنزل ويضرب في عمقي بقوة ليتصاعد الصوت في رأسي .

ادركت انها الكارثة ولبست معطفي ” جيراطة “وحذائي وأخذت بعض من الحبال ” شيمة “وأطلقت ساقيا في اتجاه “سقالة العطايا ” اين ربطت مركبي .

وصلت المكان وأصبحت قبالة البحر ولم اعرفه قط بهذا الهيجان … الموج يتصاعد ويضرب السفن والمراكب بقسوة … دون رأفة … دخلته رغم انفه ابحث عن رزقي ومتاعي ولم اجد قاربي ليهتز قلبي ويكبر همّي وبحثت لأجده يغرق تتلاقفه الامواج تضربه ضربا مبرحا وانطلقت ارمي حبالي وأصارع موجي وأصيح مع باقي رفاقي الذين يحاربون الوقت ويلهثون وراء باقي ما تبقى من قواربهم وتتصاعد الامواج تضرب تقسو تهز وترمي حملها وماءها على مركبي …

ربطت مركبي بالحبل الكبير وبدأت أجذب بكل قوتي ودموعي تتصاعد وتخرج من داخلي كأنها ماء نار حار يخدش خدودي ويحفر وجهي واجذب بكل قوتي لعلي انقذ قاربي ولكن حبلي لم يصمد وقاربي يشرب يسكر بماء البحر على نخبي يغرق يبتلعه الموج ويبتلع رزقي .

غرق المركب وتكسرت الاجنحة وسقط الصاري وتمزق الخشب وتمزقت روحي وتبلل ثوبي واكل رجلايا الملح ولم استطع انقاذ فاطمة رحلت امي ومات رزقي ولم استطع العودة الى منزلي وبقيت فوق جدار السقالة الذي حطمته الامواج احلم بالعودة ولكن خيبتي تركتني اقضي الليل اساعد جيراني على انقاذ ما تبقى من قواربهم في السقالة .

عدت في الصباح ولازالت صورة الموقع في ذاكرتي قوارب مهشمة وأخرى سكرانة بالماء غاطسة في عمق البحر ومحركات سكنت القاع وجدران تحطمت ومستقبل عائلتي راح مع كل ما ملكت من شباك وحبال ومعدات راحت في اتجاه المحيط وأحاط بي الاصدقاء يخففون كربتي واستقبل عزائي في فاطمة .

ودعنا المنصف بحزن عميق يبكي قاربه ويعد نفسه بالعودة الى البحر على ظهر قارب اخر ان انصفته الحياة وساعدته الدولة في العودة الى العمل والإنتاج ويصر انه سيبقى في علاقة مع البحر ولن يتركه حتى لو ابتلعته المياه فالرحلة تبدأ من الغد .

بقلم رياض الحاج طيب 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى